تعريف بالفترة :
هي فترة مهمة في تاريخ الصين بدأت عام 220 م و انتهت عام 280 م و قسمت البلاد الى ثلاثة ممالك و هي : مملكة وي(Wei) و مملكة شو(Shu) و مملكة وو(Wu) . بدأت هذه الفترة مع سقوط سلالة هان و انتهت بصعود سلالة جين .
مصطلح "الممالك الثلاث" ليس المصطلح الصحيح للتعبير عن هذه الفترة فلم يكن أي قسم من الاقسام الثلاث محكوماً من قبل ملك أنما حكمه شخص ادعى انه الامبراطور الشرعي على بلاد الصين و لكن استخدم المؤرخون هذا المصطلح للتفريق بين هذه الولايات و ممالك اخرى حملت ذات الاسم و لكن ظهرت في حقب مختلفة ، فأضاف المؤرخون أسماء شخصيات الى هذه الولايات فسمى المؤرخون ولاية "وي" بـ "تساو وي" و سميت ولاية هان "شو هان" و ولاية "وو" سميت "وو الشرقية" أو " دونغ وو" او " صن وو".
من الناحية الأكاديمية تعتبر فترة الممالك الثلاث الفترة الممتدة بين تأسيس ولاية وي في عام 220 م و سيطرة اسرة جين على ولاية وو في عام 280 م ، أما الجزء الابتدائي (غير الرسمي) من الفترة فهو يمتد منذ عام 184 م حتى عام 220 م و يمتاز بالفوضى و الصراع بين أمراء الحرب في شتى أنحاء الصين . أما الجزء الأوسط فتميز بقتال منتظم بين الولايات المتنافسة الثلاث (وي ، و شو ، و وو) ، أما الجزء الأخير فتضمن سيطرة شو على وي في عام 263 م ثم احتلال وي من قبل سلالة جين في عام 266 م و في النهاية احتلال جين لولاية وو في عام 280 م .
تعد حقبة الممالك الثلاث من أكثر الحقب دموية في التاريخ الصيني ؛ فقد أظهر الاحصاء الوطني الذي اجري في عام 280 م بعد توحيد الصين من قبل سلالة جين بأن عدد السكان يبلغ 16,163,863 نسمة يتوزعون على 2,459,840 أسرة ، بينما كان عدد السكان في عهد سلالة هان 56,486,856 نسمة يتوزعون على 10,677,960 أسرة .
و شهدت هذه الفترة تطور تكنولوجي كبير فقد اخترع تشوق ليانغ مستشار شو "الثور الخشبي" [صورة 1+2] و هي عربة خشبية ذات عجل واحد تستخدم لنقل المؤونة ، و كذلك طور القوس المعقوف سريع الاطلاق [صورة 3]. و كذلك اخترع المهندس الميكانيكي ما جون من ولاية وي مسرحاً ميكانيكياً للعرائس يعمل بالنظام الهيدوليكي [صورة 4] لتسلية الامبراطور مينغ و مضخة سلسلة ذات لوح مربع الشكل [صورة 5] لري حدائق لويانغ و كذلك صمم العربة التي تشير للجنوب [صورة 6] و هي بوصلة غير مغناطيسية تعمل بالتروس التفاضلية .
رغم أنها فترة قصيرة نسبياً الى انها أثرت بشكل كبير في الثقافة الصينية و اليابانية و الكورية و الفيتنامية فانتشرت عن طريق المسرحيات و الاوبرا و القصص الشعبية و الروايات و في العصر الحديث عن طريق الأفلام و المسلسلات و ألعاب الفيديو . و أكثرها شهرة رواية لو غوانشونغ "رومانسية الممالك الثلاث" التي كتبها في القرن الرابع عشر الميلادي في عهد سلالة مينغ و أرخ فيها الأحداث التي حصلت في فترة سقوط أسرة هان و ظهور الممالك الثلاث .
صورة 1
صورة 2
صورة 3
صورة 4
صورة 5
صورة 6
ثورة ذوي العمائم الصفراء :
بدأت سلطة سلالة هان الشرقية بالتضعضع بشكل كبير و عصفت بها المشاكل السياسية و الاقتصادية بعد وفاة الامبراطور "هي" في عام 105 م ، فتولى العرش سلسلة من أباطرة هان الشبان فكانت السلطة الفعلية في يد أقارب الامبراطور الأكبر سناً . و لأن هؤلاء في معظم الأحيان لا يرغبون بالتخلي عن نفوذهم فيضطر الاباطرة عندما يصلون مرحلة النضج أن يعقدوا التحالفات السياسية مع كبار المسؤولين و الخصيان من أجل السيطرة على الحكومة .
فكان الصراع السياسي و المشاكل الداخلية بين اقارب الامبراطور من جهة و كبار المسؤولين و الخصيان من جهة أخرى سمة بارزة لتلك الفترة .
خلال عهد الامبراطور هوان (حكم بين عامي 146-168 م) و الامبراطور لينغ (حكم بين عامي 168-189 م) وصل استياء كبار المسؤولين من سيطرة الخصيان على الحكم ذروته ، و بدأ العديد منهم الاحتجاج ضدهم لكن الاحتجاجات الأولية فشلت تماماً و اقنع الخصيان الامبراطور بان يعدم عدداً من العلماء المحتجين ، و انتهز بعض الحكام المحليين الفرصة للاستبداد في المناطق التي يحكمونها حتى أصبح الكثير من المواطنين يخشون التعبير عن آرائهم السياسية بسبب القمع . كذلك شهدت هذه الفترة عدداً من الكوارث الطبيعية و انتشرت التمردات في جميع انحاء البلاد لذلك تعتبر فترة حكم الامبراطورين هوان و لينغ فترة مظلمة في تاريخ سلالة هان .
في الشهر الثالث لعام 184 م قاد شانغ جياو زعيم طريقة السلام الأعلى و هي حركة طاوية (مدرسة فلسفية صينية) مع اخويه شانغ باو و شانغ ليانغ الحركة في تمرد ضد الحكومة عرف بـ" تمرد العمامة الصفراء " . سرعان ما اجتذبت حركتهم الأتباع الذين وصل عددهم مئات الآلاف في كافة أرجاء الصين ، و كان لديهم 36 قاعدة في الصين منها قواعد كبيرة تضم 10 آلاف شخص أو أكثر و القواعد الصغيرة تضم 6-7 آلاف تابع على غرار جيوش هان ، و كان شعارهم : " فنيت القبة الزرقاء(السماء) ستصعد السماء الصفراء عدما تبدأ الدورة الجديدة من التقويم الصيني لهذا العام لنحقق الرخاء للعالم ".
أرسل الامبراطور لينغ قادته :هوانغفو سونغ و لو تشي و تشو جون لقيادة جيوش هان و قمع التمرد ، وأمر الحكومات المحلية بمساعدة الجنود في ذلك . هزم ذوي العمائم الصفراء في النهاية و انتشر من تبقى منهم على قيد الحياة في عموم الصين و لكن بسبب اضطراب الأوضاع عملوا كلصوص و قطاع طرق في المناطق الجبلية فساهموا في ازدياد الفوضى و عدم الاستقرار في تلك الفترة .
مع ازدياد اعداد قطاع الطرق و اللصوص عبر الأراضي الصينية لم يتمكن جيش هان من التصدي لكل عمليات السلب و النهب . في عام 188 م وافق الامبراطور لينغ على عريضة قدمها ليو يان يقترح منح الحكام المحليين للولايات سلطة ادارية مطلقة و قيادة القوات العسكرية في مناطقهم و ترقية رتبهم و منح هذه المناصب لأفراد عائلة ليو و مسؤولي البلاط الامبراطوري . رغم أن هذه الخطوة سهلت على الحكام المحليين مواجهة الثورة الا انها مكنتهم من الاستقلالية بالحكم تماماً مستغلين الفوضى الحكومية التي حصلت . ترقى ليو يان الى حاكم مقاطعة "يي" ، ثم ما لبث أن قطع علاقاته مع البلاط الامبراطوري لاسرة هان و استقل بالحكم و حذت حذوه بقية المقاطعات .
دونغ جو يستولي على الحكم
توفي الامبراطور لينغ في نفس العام و بدأ صراع آخر بين خصيان البلاط للسيطرة على الاسرة الامبراطورية ، فخطط الخصي "جيان شو" لقتل "هي جين" القائد العام للجيش - و هو احد اقارب الاسرة الامبراطورية- و أن يستبدل ولي العهد "ليو بيان" بأخيه الصغير "ليو شي" أمير تشينليو (مدينة كايفينغ الحالية) . لم تنجح خطته فتولى "ليو بيان" الحكم و سمي الامبراطور شاو و تآمر "هي جين" مع امير الحرب "يوان شاو" لاغتيال الحاضرين العشرة و هم زمرة من 12 خصياً بقيادة شانغ رانغ و يسيطرون على جزء كبير من أمور البلاط الامبراطوري ، و أمر "هي جين" قائد القوات الحدودية في مقاطعة ليانغ "دونغ جو" و "دينغ يوان" مفتش مقاطعة بينغ بإحضار قواتهما الى العاصمة لتعزيز قوته و سلطته .
علم الخصيان بمؤامرة "هي جين" فاغتالوه قبل وصول دونغ جو الى العاصمة لويانغ ، و عندما وصلت قوات يوان شاو الى العاصمة لويانغ اقتحمت القصر و قتلت "الحاضرون العشرة" و 2000 من انصارهم ، فانتهى قرن من الصراع بين الخصيان و العائلة الامبراطورية ، لكن هذا الحدث برر حضور دونغ جو الى ضواحي العاصمة لويانغ من الحدود الشمالية الغربية للصين .
في ليلة الـ 24 من سبتمبر لعام 189 م ؛ لاحظ دونغ جو اشتعال النيران في العاصمة نتيجة الحرب بين اتباع الخصيان و عناصر الخدمة المدنية فأمر جيشه بدخول العاصمة و القضاء على التمرد ، و بما أن الامبراطور لم يعد يمتلك أية قوة عسكرية أو سياسية فقد أصبح دونغ جو المسيطر الفعلي على الحكم . في 28 سبتمبر عزل دونغ جو الامبراطور "ليو بيان" و عين " ليو شي " فهبت الثورة و شملت عموم الصين في غضون أسابيع قليلة .
ظهر في شرق الصين تحالف كبير ضد دونغ جو يهدف لإعادة الامبراطور المعزول و يقوده يوان شاو و يوان شو و ساو ساو ، و اضطر الكثير من مسؤولي المقاطعات الصينية بأن ينضموا للتحالف لمواجهة الخطر الذي يتهددهم جميعاً .
في عام 191 م قاد صن جيان (تابع يوان شو) جيشاً ضد دونغ جو و طرده من العاصمة لويانغ الى شانغان ، و في العام التالي (192 م) اغتيل دونغ جو على يد حارسه الشخصي "لو بو" .
الصراع بين الحكام
منذ بداية التحالف ضد دونغ جو كان بذور الشقاق بين قادة التحالف موجودة و اشتعلت خاصة بعد انتصارات القائد صن جيان الذي هزم جيوش دونغ جو و قتل أحد قادته الرئيسيين ، فقطع قادة التحالف عن صن جيان المؤن لكي لا ينتصر و يسطع نجمه و عزز الخلافات أكثر انه حين دخل جيان الى العاصمة لويانغ قبل الجميع وجد الختم الامبراطوري و احتفظ به . طالبه يوان شاو قائد التحالف بتسليم الختم لكنه أبى فأمر يوان شاو تابعه ليو بياو ان يقتل صن جيان فأعد له كميناً في نهر يانغتسي و قضى عليه . كان صن جيان قبل موته قد طلب من ابنه صن سو اعطاء الختم ليوان شو أخ يوان شاو ففعل ذلك بعد موت والده .
حصل ما توقعه صن جيان بالضبط فقد دبت الخلافات على الزعامة بين الأخوين و اعلن يوان شو نفسه امبراطوراً على منطقة نهر هوان فقضى عليه ساو ساو و ليو باي بمساعدة يوان شاو .
سيطرة ساو ساو
بعد مقتل دونغ جو في عاصمته شانغان هرب عدد من الوزراء مع الامبراطور شيان الى لويانغ و طلبوا من امراء الحرب الحماية فأبوا جميعاً الا ساو ساو الذي اخذ الامبراطور معه و نقل العاصمة الى زوشانغ و استعمل الامبراطور لغاياته الشخصية . بعد ان اعلن يوان شو نفسه امبراطوراً أصدر الامبراطور شيان مرسوماً امبراطورياً لكل امراء الحرب بقتاله فلم يستجب سوى ليو باي و ساو ساو فهزماه و قتلاه .
طلب ساو ساو من ليو باي ان يساعده على قتال لو بو بينما تآمر دونغ شن والد زوجة الامبراطور مع ليو باي سراً للتخلص من ساو ساو لكن الأخير اكتشف المكيدة و قتل دونغ شن و ابنته (زوجة الامبراطور) و حاصر مدينة شو زو حتى طرد منها لو بو و قتله . ثم حاصر ليو باي و كاد ان يقتله و استسلم قسم من رجاله لساو ساو و انضموا اليه بينما هرب معه القسم الآخر و هكذا سيطر ساو ساو على منطقة السهول الوسطى.
معركة غواندو
في عام 200 م اعلن يوان شاو الحرب على ساو ساو و سار بجيش قوامه 110 ألاف جندي ، بينما واجهه ساو ساو بجيش لا يزيد على 40 ألف جندي . خسر يوان شاو في هذه المعركة الحاسمة و لم ينج منها معه سوى 800 جندي فقط .
Comentários