في شهر نوفمبر من عام 333 قبل الميلاد وقعت معركة ايسوس حيث هزم الاسكندر داريوس الامبراطور الفارسي فاصبح طريقه للشرق مفتوحاً ، و لكنه لا زال يخشى خطر الاسطول الفارسي في البحر المتوسط لذلك قرر السيطرة على ساحل بلاد الشام أولاً .
ففي يناير من العام 332 قبل الميلاد تمكن من السيطرة على مدن أرواد و بيبلوس (جبيل) و صيدون (صيدا) . كانت وجهته القادمة مدينة صور الواقعة على بعد 30 كيلومتراً جنوب صيدا و هي أغنى المدن الفينيقية و أكثرها نفوذاً .
اشتهرت صور بصناعاتها المميزة و كذلك كونها قاعدة بحرية فارسية هامة ، و هي تتكون من قسمين : قسم غير محصن جيداً و فيه مصادر مياه الشرب و الخشب و كذلك المقابر و يسمى صور القديمة ، و أما القسم الآخر فشديد التحصين و هو مقام على جزيرة تبعد حوالي 700 متر عن الشاطئ و يدعى صور الجديدة .
لم يتمكن أحد في السابق من احتلال المدينة و صمدت في وجه كل الطامعين و من بينهم الملك البابلي نبوخذ نصر الذي حاصرها لمدة 13 عاماً بين أعوام 573 قبل الميلاد حتى 586 قبل الميلاد دون جدوى .
احيطت المدينة بأسوار ضخمة و اسطول قوي و كذلك حامية محلية و مرتزقة ، رغم ذلك فقد استعدوا للحصار باجلاء الكثير من سكانها الى قرطاجة و هي مستعمرة فينيقية قديمة في تونس ، و بقي في المدينة قرابة 40 ألفاً .
علم الاسكندر بأن حصار صور سيستمر أشهر و ربما سنوات لذلك جهز جيشاً ضخماً و اخذ معه كمية كبيرة من المستلزمات و الموارد .. قبلت المدينة الخضوع للاسكندر دون اراقة الدماء لكن طلبه ان يقدم القرابين لهرقل في معبد ملقارت في صور الجديدة قوبل بالرفض فقد خشي سكانها أن يكون ذلك فخاً منه و اقترح المفاوضون عليه بأن يمارس طقوسه في معبد المدينة القديمة لأن المدينة الجديدة لا يسمح لأي جيش بدخولها حتى الجيش الفارسي قبله منع من دخولها ، لكن ذلك لم يرض غرور الملك المقدوني .
ارسل الاسكندر مفاوضيه لتخضع المدينة لكل شروطه دون قتال و الا سيحاصر المدينة فقتل رسل الاسكندر و القوا من فوق أسوارها الى البحر ، فغضب الاسكندر و ضرب حولها الحصار .
لم يكن لدى الاسكندر اسطول بحري في ذلك الوقت و لكن ما ساعده ان المياه بين صور الجديدة و الشاطئ ضحلة و لا تزيد عن مترين في بعض المناطق لذلك أمر رجاله بتدمير صور القديمة و استعمال ركام المنازل لبناء جسر يصلهم بالجزيرة .
كان التقدم سريعاً في البداية و لكن اصبح ابطىء كلما اقتربوا من الجزيرة لأن المياه تصبح أكثر عمقاً و لاستهدافهم من قبل المدافعين عنها . رغم استعمال المقدونيين أسلحة الحصار الا انهم لم ينجحوا في ايقاف السهام و الحجارة الملقاة التي تنهال عليهم فوضع الاسكندر برجي حصار في المقدمة يغطيها الجلد لمنع احتراقها من مقذوفات الاعداء و هي كذلك مزودة بالمنجنيقات ما ازعج المدافعين فاستمر بناء الجسر.
حينها قام الفينيقيون بملىء سفينة شحن كبيرة بمواد مشتعلة و دفعها باتجاه مقدمة الجسر الصخري ما أدى لاحتراق البرجين و مقتل العاملين و كذلك تهدم الصخور بفعل الاصطدام ، و هاجمت السفن ما تبقى منهم حتى اجبروهم على الانسحاب للشاطىء .
لم ييأس الاسكندر و أمر رجاله بتوسعة الجسر لكي يتاح لعدد أكبر من الأبراج السير فوقه ، و كذلك أدرك بأنه لا يمكن ان ينجح دون اسطول بحري كبير لذلك عاد للمدن الفينيقية التي سيطر عليها و استولى على سفنها و طلب من مقدونية و المدن اليونانية أن ترسل سفنها اليه .
و هكذا اصبح بحوزته أكثر من مئة قادس (القادس : سفينة متعددة المجاديف) ، بالإضافة لـ 120 سفينة أخرى أرسلها ملك قبرص فاضطر اسطول المدينة للمكوث في الموانئ بسبب الافضلية العددية للاغريق . بعدها تعرضت المدينة لمقذوفات المنجنيقات على الجسر الحجري و كذلك منجنيقات السفن لكن المدينة استمرت بالمقاومة .
قام الغواصون الفينيقيون بقطع الحبال التي تستخدم في البناء فاستعمل رجال الاسكندر السلاسل المعدنية بدلاً منها .
كذلك حاولت السفن الفينيقية فك الحصار عدة مرات و نجحوا في تحطيم عدد من السفن و احداث ثغرة في احدى المحاولات لكن قدوم التعزيزات اضطرهم للعودة الى الموانئ بالنهاية.
بعد اكمال الجسر الحجري تم مشاغلة المدافعين بشكل كبير ، حتى تمكنت مجموعة من السفن الاغريقية التي تمتلك مطارق لتحطيم الأسوار من احداث ثغرة في الجهة الجنوبية من المدينة و ارسل الاسكندر من خلالها أفضل جنوده لاقتحام المدينة و السيطرة على المنطقة ما سمح لبقية الجيش بالدخول فسقطت المدينة في ايديهم .
انتقم الاسكندر من المدينة التي صمدت في وجهه 7 شهور فنهبها و دمرها و ذبح الأسرى من الرجال (8 آلاف) و باع النساء و الأطفال (30 ألفاً) في سوق النخاسة . بعدها أكمل حملته للسيطرة على العالم القديم فزحف جنوباً نحو غزة و سيطر عليها ثم دخل مصر .
و هذا فيديو مترجم عن المعركة :
Comments