في اكتوبر من العام 331 قبل الميلاد انتشرت أنباء الهزيمة الكبيرة للفرس على يد الاسكندر في معركة غوغاميلا في أرجاء الامبراطورية الفارسية كالنار في الهشيم ، و بينما بقي المرازبة (حكام الولايات) الفرس على ولائهم للإمبراطورية الأخمينية ، اذعن حكام الولايات العراقية للاسكندر الذي أكرم النبلاء و الطبقة الحاكمة و حفظ مكانتهم .
حاز المقدونيون كنوزاً كثيراً من مدينتي بابل (عاصمة الفرس في العراق) و سوسا (عاصمة الفرس في الأحواز) ، فوزع الاسكندر قسماً من هذه الكنوز على رجاله و أرسل قسماً آخر الى بلاد اليونان حيث أنتيباتار خليفته في قيادة الحلف الهلنستي لتكون عوناً له في حربه ضد ثوار إسبرطة .
قبلت المدينتين حكم المقدونيين لذلك لم يتم تدميرهما و استمرت ادارتها كما هي بدون تغيير ، حتى أن مازايوس الذي قاد الجناح الأيمن للجيش الفارسي في غوغاميلا عاد الى منصبه كحاكم لمدينة بابل .
ترك الاسكندر حامية مقدونية في الأراضي الجديدة كي يضمن ولائها بينما يستكمل فتوحاته شرقاً في قلب الأراضي الفارسية . علم الاسكندر بأن الفرس يجهزون جيشاً جديداً لمواجهته و كان قد وصل الى جبال زاغروس ، فقسم جيشه الى قسمين :
القسم الأكبر و الأبطىء و الذي يحتوي الأمتعة و المعدات و خدم المخيم ارسله باتجاه الجنوب بقيادة بارمينون في طريق طويل يلتف حول جبال زاغروس ليصل بالنهاية الى العاصمة الفارسية بيرسوبليس ، بينما قاد الاسكندر مجموعة منتقاة من أفضل المقاتلين و هم اسرع من القسم الأول و سار بهم في الطريق الاعتيادي الذي يمر خلال الممرات الصخرية الضيقة و الطرق الوعرة عبر هذه الجبال .
في طريقه مر على قبائل اليوكسيين و هي قبائل جبلية تستوطن المنطقة و رفضت الخضوع للفرس من قبل و كانوا يجبرون كل وحدة فارسية تمر من أرضهم أن تدفع الأتاوة ، فمنعوا الاسكندر من المرور بدون مقابل حينها قام الاسكندر بمكيدة حتى وصل لقراهم فحاصرها ثم ذبح عدداً من رجالهم حتى أجبر البقية على دفع جزية سنوية له .انتشرت الأخبار بين القبائل الجبلية فلم تجرأ أي منها على الوقوف في وجهه .
اصبح الطريق آمناً لدرجة أن الاسكندر لم يعد يرسل فرقاً استكشافية أمام جيشه ، فدخل الجيش المقدوني ممر البوابات الفارسية ، و حين رأوا اناسا على التلال ظنوا بأنهم من سكان هذه المناطق فأكملوا المسير في الممر الضيق الذي يبلغ عرضه مترين فقط ، و بينما دخلت طليعة الجيش في أحد المنحنيات وجدوا الطريق أمامهم مغلقاً بالصخور و الأتربة ، حينها أدرك الاسكندر الخطأ الكبير الذي اقترفه لكن الأوان قد فات على الانسحاب بلا خسائر فقد انقض جنود الفرس عليهم من كل جانب و امطروا بالسهام و المقذوفات .
آريوبارزونيس
كانت القوات الفارسية بقيادة المرزبان آريوبارزونيس الذي أعد هذا الكمين المحكم للاسكندر ، بصعوبة تمكن المقدونيون من فتح طريق للانسحاب لكن الكثير قد قتلوا في الكمين و ادرك الاسكندر بأن البقاء في الوادي يعني الفناء لجيشه فأمرهم بالانسحاب العام لكن العديد من قواته قد حوصروا داخل الوادي و استمروا بالقتال حتى قضي عليهم ، و كانت هذه المرة الأولى التي يهزم بها الاسكندر أمام قائد فارسي .
خرج الاسكندر من الممر الى السهل القريب حيث أقام معسكره لكي يبيت تلك الليلة الشتوية الباردة معزولاً في أراضي العدو . في الايام التالية بحث الاسكندر مع قادته السبل الممكنة لتجاوز الحاجز الفارسي ، في النهاية وجد ممراً سرياً يوصله خلف مواقع الفرس و يقال بأن احد الرعاة المحليين قد ارشده اليه لكن يعتقد العديد بأن القصة مأخوذة من أحداث معركة ثيرموبلاي قبل 150 عام .
بينما خرج الاسكندر بمجموعة من جيشه ليلاً عبر الطريق السري قام بقية الجيش بقيادة كراتاروس باشعال العديد من النيران لكي لا يعلم العدو بنقصان الجيش و في اليوم التالي ذهبوا الى منطقة الكمين .
عندما بدأ الفرس بمهاجمتهم سمعوا الأبواق المقدونية من الخلف حيث كان الاسكندر قد بدأ هجومه عليهم ، قاتل آريوبارزونيس حتى فني رجاله عن آخرهم و قتل في المعركة لذلك يلقب بالشجاع و يعتبره الفرس بطلاً قومياً . و كذلك شاركت أخته في المعركة و يوتاب المحاربة و النبيلة الفارسية الشهيرة التي قاتلت بشجاعة حتى قتلت.
يوتاب
كانت هذه المعركة آخر مقاومة منظمة يبديها الفرس لايقاف زحف الاسكندر و أدت لسقوط العاصمة بيرسوبوليس التي دمرت انتقاماً لأثينا ثم سقوط الامبراطورية الفارسية الأخمينية .
نظرة في الأعداد
اختلف المؤرخون في تعداد الجيشان فبينما تشير موسوعة ايرانيكا الى أن عديد القوات الفارسية تتراوح ما بين 700-2000 مقاتل بينما يذكر المؤرخ آريان بأن عددهم بلغ حوالي 40 ألفاً و هذا الرقم غير معقول بنظر معظم المؤرخين الذين رجحوا ان يكون الفرس حوالي 25 الف بينما قوات الاسكندر تصل الى 17 ألف ، و قتل منها حوالي 9 آلاف مقاتل.
و هذا فيديو مترجم عن المعركة :
Comentários